فصل: 219- باب النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إِلا لمن وصله بما قبله أَوْ وافق عادة لَهُ بأن كَانَ عادته صوم الاثنين والخميس فوافقه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.217- باب وجوب صوم رمضان، وبيان فضل الصيام وَمَا يتعلق بِهِ:

قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُم الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدَىً لِلنَّاسِ وَبَيّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَر}. [البقرة: 183، 185].
قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، أي: فرض.
قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، كانوا مخيَّرين في أول الإسلام بين الصيام والإطعام، ثم نسخ بقوله: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].
وَأما الأحاديث فقد تقدمت في الباب الَّذِي قبله.
أي: الأحاديث الدالة على وجوب صوم رمضان، كقوله صلى الله عليه وسلم: «بُني الإسلام على خمس...» الحديث، وغيره.
1215- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ- عز وجل: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَام، فَإنَّهُ لِي وَأنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإذَا كَانَ يَومُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ. وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أفْطَرَ فَرِحَ بفطره، وَإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ». متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ روايةِ البُخَارِي.
وفي روايةٍ لَهُ: «يَتْرُكُ طَعَامَهُ، وَشَرَابَهُ، وَشَهْوَتَهُ مِنْ أجْلِي، الصِّيَامُ لي وَأنَا أجْزِي بِهِ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا».
وفي رواية لمسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يضاعَفُ، الحسنةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ. قَالَ الله تَعَالَى: إِلا الصَّوْمَ فَإنَّهُ لِي وَأنَا أجْزِي بِهِ؛ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أجْلِي. للصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ».
في هذا الحديث: فضل الصيام، وأن الله يجزي الصائم بغير حساب.
وفيه: شرف الصوم عند الله تعالى.
قوله: «والصيام جنة»، أي: وقاية من النار.
قال ابن العربي: إنما كان جُنَّة من النار، لأنه إمساك عن الشهوات، والنَّار محفوفة بها.
1216- وعنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبِيلِ اللهِ نُودِيَ مِنْ أبْوَابِ الجَنَّةِ، يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا خَيرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: بِأبي أنْتَ وَأُمِّي يَا رسولَ اللهِ! مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرورةٍ، فهل يُدْعى أحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأبوَابِ كُلِّهَا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، وَأرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قوله: «فمن كان من أهل الصلاة» إلى آخره، أي: صلاة التطوع، وصيام التطوع، وصدقة التطوع.
وفي الحديث: منقبة عظيمة لأبي بكر رضي الله عنه.
1217- وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يقال: أيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لا يَدخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قوله: «لا يدخل منه أحد غيرهم»، كرر نفي دخول غيرهم منه تأكيدًا.
زاد النسائي: «من دخله لم يظمأ أبدًا».
1218- وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا في سَبِيلِ اللهِ إِلاَّ بَاعَدَ اللهُ بِذَلِكَ اليَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابن الجوزي: إذا أطلق ذكر سبيل الله فالمراد به الجهاد.
وقال القرطبي: «سبيل الله»، طاعة الله، فالمراد من صام قاصدًا وجه الله.
1219- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قوله: «إيمانًا واحتسابًا»، أي: مصدقًا محتسبًا ثوابه عند الله تعالى.
1220- وعنه رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ». متفقٌ عَلَيْهِ.
في رواية للنسائي: «وتغل فيه مردة الشياطين».
قال القرطبي: فإن قيل: كيف ترى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرًا؟ فالجواب: أنها إنما تغل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه، وروعيت آدابه، أو المصفَّد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم، والمقصود تقليل الشرور فيه. وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابًا غير الشياطين، كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية.
1221- وعنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأفْطِرُوا لِرُؤيَتِهِ، فَإنْ غَبِيَ عَلَيْكُمْ، فَأكمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ». متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ البخاري.
وفي رواية مسلم: «فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاَثِينَ يَوْمًا».
في هذا الحديث: دليل على أنه لا يجب صوم رمضان إلا برؤية هلاله، أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا.
واختلفت الروايات عن الإمام أحمد فيما إذا حال دون منظر الهلال غيمٌ أو قتر، فعنه: يجب صومه، وعنه: أن الناس تبع للإمام، وعنه: لا يجب صومه قبل رؤية هلاله، أو إكمال شعبان.
واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: هو مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه. وعنه: صومه منهي عنه، وهذا الموافق للأحاديث الصحيحة الصريحة.
وقال البخاري: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا». وقال صلى الله عليه وسلم: «يا عمار، من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم».

.218- باب الجود وفعل المعروف والإكثار من الخير في شهر رمضان والزيادة من ذَلِكَ في العشر الأواخر منه:

1222- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ حِيْنَ يَلْقَاهُ جِبْريلُ، وَكَانَ جِبْريلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حِيْنَ يَلْقَاهُ جِبرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِن الرِّيحِ المُرْسَلَةِ. متفقٌ عَلَيْهِ.
المرسلة: أي: المطلقة، يعني: أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح. وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده كما تعم الريح جميع ما تهب عليه.
وفي الحديث من الفوائد: الحثُّ على الجود في كل وقت، والزيادة في رمضان، وعند الاجتماع بأهل الصلاح، واستحباب الإكثار من القراءة في رمضان.
1223- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ العَشْر أحْيَا اللَّيْلَ، وَأيْقَظَ أهْلَهُ، وَشَدَّ المِئْزَرَ. متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: دليل على استحباب الزيادة من العمل في العشر الأواخر من رمضان.

.219- باب النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إِلا لمن وصله بما قبله أَوْ وافق عادة لَهُ بأن كَانَ عادته صوم الاثنين والخميس فوافقه:

1224- عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُم رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلا أنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَومَهُ، فَليَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
قال العلماء: معنى الحديث: «لا تستقبلوا رمضان بصيام». على نيّة الاحتياط لرمضان.
1225- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَصُومُوا قَبْلَ رَمضَانَ، صُومُوا لِرُؤيَتِهِ، وَأفْطِرُوا لِرُؤيَتِهِ، فَإنْ حَالَتْ دُونَهُ غَيَايَةٌ فَأكْمِلُوا ثَلاثِينَ يَوْمًا». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).
«الغَيايَةُ» بالغين المعجمة وبالياءِ المثناةِ من تَحْت المكررةِ، وهي: السحابة.
قال الترمذي: والعمل عل هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان.
قال الحافظ: والحكمة في ذلك أن الحكم علق بالرؤية، فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم.
1226- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلا تَصُومُوا». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).
1227- وعن أَبي اليقظان عمارِ بن يَاسِرٍ رضي الله عنهما، قَالَ: مَنْ صَامَ اليَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَقَدْ عَصَى أَبَا القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم. رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ).
في هذا الحديث: تحريم صيام يوم الشك، وهو آخر يوم من شعبان سواء كان في ليلة غيم أو لا، وهو قول أكثر أهل العلم، وخصه بعضهم بغير ما في ليلة غيم، والأول أصح.